Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 62
  • رقم الاستشارة : 1625
14/04/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أنا أم لابن عمره 18 سنة، عنده مشكلة بقالها فترة طويلة وأنا مش قادرة أتعامل معاها بالشكل الصحيح. ابني عنده مشكلة كبيرة في الاستحمام، يعني هو بيرفض الموضوع ده تمامًا، مع إنه لو اضطر يستحم يبقى بعد مشاكل كتير جدًا، وبفترات متباعدة جدًا. في الشتاء الموضوع بيبقى أقل وطأة، لكن مع دخول الصيف والحَرّ، الموضوع بقى مقلق جدًا لأنه مش بس بيوتره، لكن كمان بيأثر علينا كلنا من ناحية الراحة الشخصية.

أنا جربت معه كتير إننا نتكلم عن الموضوع، لكن للأسف كل محاولاتي باءت بالفشل. لو نبهته بطريقة هادية أو لو قلت له إنه لازم يتعامل مع نفسه بشكل أحسن، يبدأ يعترض ويقول لي مش مهم، أو بيحس إن الموضوع مش ضرورى، وأوقات حتى يعصب. والموضوع مش بس بيأثر عليه، لكن بيأثر على العلاقة بيننا وبين باقي أفراد العيلة. يعني ريحة الجسم بقت مشكلة، وبقى فيه توتر مع أصدقائه والناس اللي بيتعامل معهم. كل ما أقول له إنه لازم يكون أكتر وعيًا بموضوع النظافة الشخصية، يكون رد فعله مش قوي، ولما أنبهه، بيحس إني بحاول أفرض عليه حاجات زيادة عليه.

أنا مش عارفة أتصرف معاه إزاي، ولا إزاي أقدر أساعده. هل ده ممكن يكون ليه علاقة بشيء نفسي؟ أو في حاجة ممكن أعملها علشان أقدر أغير من سلوكه ده؟ في رأيك، إزاي أقدر أتعامل معاه في الموضوع ده، أو ممكن أستعين بإيه عشان أقدر أساعده؟

مستنيّة رأيك الكريم جدًا، وأتمنى أني أقدر أغير من الوضع ده لأني خايفة الموضوع يكبر أكتر ويأثر عليه مستقبلاً.

جزاك الله خيرًا.

الإجابة 14/04/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

أهلًا بكِ أيتها الأم الكريمة، شكرًا لثقتكِ، وحرصكِ على طلب النصح لأجل ابنك، وهذا في حد ذاته دليل على وعيكِ ومسؤوليتكِ التربوية، فكما قيل: "الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعبًا طيّب الأعراق."

 

لقد قرأت رسالتكِ بكل عناية، ولمستُ فيها أمًا تحترق قلقًا على ابنها، وتُعاني صراعًا بين الرغبة في الحفاظ على علاقة طيبة معه، وبين الحاجة للتدخل لإصلاح سلوك يؤذيه ويؤذي من حوله.

 

اسمحي لي بداية أن أطمئنكِ: أنتِ لستِ وحدكِ، فهذه المشكلة تُصنَّف ضمن السلوكيات التجنّبية أو الـ"Avoidant behaviors"، وهي تظهر أحيانًا في فترة أواخر المراهقة لأسباب متداخلة.

 

وهنا بعض الجوانب التي قد تُساعدكِ على الفهم أولًا، ثم اتخاذ خطوات عملية مدروسة:

 

أولًا: الفهم النفسي للمشكلة

 

1- مرحلة الهوية والتناقض:

 

وفقًا لنظرية "إريكسون" في النمو النفسي الاجتماعي، فإن عمر 18 عامًا يقع ضمن المرحلة التي يسعى فيها الشاب لإثبات استقلاله وتحديد هويته الشخصية، وقد يتمرد على التوجيهات المباشرة كنوع من مقاومة السيطرة، حتى لو كانت هذه التوجيهات في صالحه.

 

2- إمكانية وجود اضطراب مرتبط بالنظافة الشخصية:

 

في بعض الحالات، وخاصة مع الرفض الشديد والمتكرر للاستحمام، نحتاج أن نُفكّر في احتمال وجود بعض الجوانب النفسية العميقة، مثل:

 

- القلق الاجتماعي "Social anxiety".

 

- اللامبالاة "Apathy"، وهي أحيانًا عرض لمشكلة اكتئابية بسيطة.

 

- أو حتى اضطراب يُسمى "متلازمة ديوجين"، وإن كان نادرًا في هذه السن، إلا أن بعض مظاهره قد تبدأ مبكرًا.

 

3- ارتباط السلوك بالعادات البيئية والنمط الأسري:

 

قد يكون الشاب نشأ في بيئة لم تُربِّ بشكل منتظم على طقوس العناية بالنظافة الشخصية، أو لم يربط بين احترام الذات واحترام الجسد.

 

ثانيًا: نأتي لكيفية التعامل معه بحكمة وواقعية

 

1- تجنُّب أسلوب التوبيخ أو الإلحاح المباشر:

 

احرصي على ألا يكون الحديث معه عن النظافة بصيغة الأمر أو اللوم، فهذا يُؤجج داخله مشاعر المقاومة أكثر. وبدلي ذلك بأسلوب يُشعره بأنكِ تثقين في قدرته على اتخاذ القرار السليم، وأنه أصبح شابًا مسؤولًا.

 

2- اربطِي بين سلوك النظافة واحترام الذات"Self-respect" :

 

بمعني أن تتحدثي معه بلغة هادئة عن أن العناية بالنفس ليست فقط لأجل الناس، بل لأجل الكرامة الشخصية والراحة النفسية، كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال".

 

3- استخدمي الأسلوب غير المباشر "Indirect Reinforcement":

 

اجعلي النقاشات عن النظافة جزءًا من حديث عام، مثل ذكر مواقف إيجابية عن شباب مهتمين بأنفسهم، أو مشاركة مقاطع مؤثرة تتحدث عن أهمية النظافة الشخصية والروائح الطيبة وتأثيرها على احترام الآخرين لنا.

 

وفي المقابل احكوا له مواقف أخرى عن استياء بعض الناس من شخص كانت رائحته كريهة وشكله مقزز، ولا يهتم بتقليم أظافره ولا الاعتناء بشعره وملابسه ورائحة عرقه وفمه، وسيهتم أكثر إن علم أن المستائين من هذا الشخص كانوا من الجنس الأخر! فهذا كله سوف يحرك دوافعه بشكل كبير نحو النظافة والعناية الشخصية إن شاء الله تعالى.

 

4- مهم جدًّا استخدام التعزيز الإيجابي "Positive reinforcement":

 

فحين يقوم بأي خطوة تجاه النظافة دون ضغط، امدحيه فورًا بكلمات صادقة، فهذا يُعزّز الارتباط الإيجابي بين السلوك والثقة بالنفس.

 

5- ضرورة الربط بين النظافة والقبول الاجتماعي "Social acceptance":

 

وهنا أكرر للتأكيد على أن الشاب في هذا العمر يُقدّر صورته أمام أقرانه وأمام الجنس الأخر. تحدثي معه بلغة غير جارحة عن أن النظافة تُعزز من صورته الاجتماعية، وتزيد من احترام الآخرين له.

 

6- ورجاء، عدم الاستهانة بالمشكلة إن استمرت:

 

حيث أن سلوك ابنك إذا استمر رغم المحاولات الهادئة، فأنصحكِ باستشارة أخصائي نفسي تربوي، ليقوم بجلسة تقييم نفسي شامل "Psychological assessment"؛ لأنه قد يكون الأمر أعمق من مجرد عناد مراهق.

 

* همسة أخيرة إليك غاليتي:

 

أيتها الأم النبيلة، اصبري، واحتسبي، واعملي بحكمة، فأنتِ الآن تبنين شخصية شاب قد يكون له شأن في المستقبل.

 

وتذكّري أن "القلوب تُفتح بالمفاتيح، وأعظم مفتاح هو اللين والاحتواء"، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

 

أسأل الله أن يُبارك لكِ في ابنك، ويُريكِ فيه ما تقر به عينك، ويجعله من عباده الطيبين الطاهرين، خَلقًا وخُلقًا.

الرابط المختصر :