Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 54
  • رقم الاستشارة : 1869
07/05/2025

دكتورة، السلام عليكم ورحمة الله،

أنا أم لبنت عمرها 9 سنوات، ومشكلتي معاها مأزّمتني نفسيًّا ومأثرة على البيت كله. بنتي وزنها زايد بشكل واضح، والكل دايم يعلق على شكلها، حتى بعض قرايبنا وأطفال المدرسة ينادونها بألقاب تجرحها، وأنا قلبي يتقطع عليها بس مو قادرة أوقف سلوكها!

المشكلة إنها دايم تاكل، ما توقف أبد، حتى لو مو جوعانة، تاكل بس لأنها زعلانة أو طفشانة أو حتى لما تكون مبسوطة! تدخل المطبخ تدور، وتخبي أكل بحجرتها، ولو منعتها تصير تصرخ وتنهار وتطلب أكل كأنه شيء ضروري تتنفس فيه!

جربت أتكلم وياها بهدوء، وجربت أعصب، وجربت أسوي لها نظام غذائي، بس دايم ترجع للأكل من وراي.

حتى أحيانًا تقوم من النوم بالليل تدور أكل، وتاكل أي شي تلقاه! وصارت عصبية وكسولة وما تبي تتحرك ولا تلعب، وكل وقتها على التلفزيون أو الآيباد.

صرت أحس إن الأكل صار وسيلتها للهروب من أي شي، ولو حاولنا نمنعها أو نعلّق، تصير تبكي وتقول "أحب الأكل، ليش تبون تحرموني؟".

بصراحة، تعبت أحس بالذنب، وأخاف تكبر وهي متأذية نفسيًّا أو تصير عندها أمراض، بس ما أدري شلون أبدأ وياها؟ وشلون أساعدها تتوازن وتحس إنها حلوة ومقبولة، من غير ما أحسسها إنها مو طبيعية؟

أبي منك توجيه دقيق، نفسي وتربوي، يعينني أفهم بنتي وأقدر أغير سلوكها من غير ما أجرحها.

الإجابة 07/05/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

حبيبتي، أفهم تمامًا حجم الحيرة التي تعيشينها؛ لأن ما تمرّ به ابنتكِ ليس مجرد سلوك بسيط متعلق بالأكل، بل هو تعبير عن مشاعر أعمق وأشد، متصلة بجوانب نفسية وانفعالية قد لا تُرى بالعين، لكنها تُعبّر عن نفسها في صورة "اضطراب في العلاقة الغذائية أو مع الطعام" تسمى Disordered Eating Relationship.

 

طفلتكِ –بحسب وصفكِ– لا تأكل لتشبع جوعها الجسدي، بل لتُهدئ جوعًا داخليًّا عاطفيًّا أو انفعاليًّا، وهو ما يُعرف في علم النفس بـ "الأكل العاطفي" Emotional Eating، أي أن الطفل يلجأ للطعام كآلية دفاعية للهروب من مشاعر الحزن أو التوتر أو الملل، أو حتى الشعور بالرفض أو عدم الكفاية.

 

وهنا يجب أن نتوقف عند سؤال مهم:

 

* ما الذي جعل الطعام يصبح صديقًا لابنتكِ أكثر منكم؟

 

الإجابة في الغالب ليست واضحة تمامًا من البداية، لكنها تتكون عبر تراكمات من السلبيات التالية:

 

- التعليقات المتكررة على شكلها من الأقارب أو المدرسة (حتى لو كانت بنية المزاح).

 

- مقارنتها بغيرها من الأطفال.

 

- وربما عدم وجود مساحة آمنة للتعبير عن مشاعرها أو تفريغ طاقتها.

 

- إلى جانب قلة الحركة وغياب البدائل الممتعة.

 

كل ذلك جعل عقلها اللاواعي يربط الطعام بالراحة النفسية، فتحوّل إلى ما يُعرف بـ "التنظيم الانفعالي عبر الطعام" Food as Emotional Regulation، وهذا أمر لا يُعالج بالمنع والقسوة، بل بالفهم والتدرج والدعم العاطفي والبدائل الذكية.

 

* فما الخطوات الواقعية التي أنصحكِ بها؟

 

1- ابدئي من الداخل لا من الخارج..

 

لا تركّزي أولًا على وزنها أو شكلها، بل على شعورها تجاه نفسها. ساعديها على أن تُحب جسدها وتقدّر نفسها، وعززي بداخلها قول الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}، وأنتِ مهمتكِ أن تُثبّتي في داخلها أنها جميلة ومميزة، وأن وزنها لا يُلغي قيمتها، وأنها ليست "مشكلة" يجب أن تُحل، بل إنسانة تستحق أن تُفهَم وتُحتوى.

 

2- اعتمدي أسلوب التربية بالتشجيع لا بالتجريح..

 

تجنبي تمامًا أن يكون حديثكم معها عن الطعام مصحوبًا باللوم أو الإحراج، فهذا يؤدي إلى ما يسمى "الخزي الجسدي" Body Shame، والذي يزيد من التوتر العاطفي، وبالتالي يدفعها أكثر نحو الأكل.

 

بل احكي لها عن الغذاء الصحي بطريقة ممتعة، وشاركيها في تحضير الطعام الصحي، وقومي بالثناء على اختياراتها الجيدة بصوتٍ فرح يشعرها بالسعادة والثقة بالنفس.

 

3- غيّري البيئة قبل أن تطلبي تغيير السلوك..

 

اجعلي البيت بيئة تشجع على النشاط لا على الأكل فقط.

 

أدخلي معها رياضات مرحة، كالرقص الحركي، أو المشي المسائي، دون تسميتها "رياضة لتنقص وزنك"، بل "وقت ممتع لنا معًا". فالتغيير السلوكي يجب أن يُربط بالحب لا بالعقاب، وهو ما يُعرف في التربية النفسية بـ "الارتباط الشرطي الإيجابي" Positive Associative Conditioning.

 

4- يجب أن تعرفي وتعلميها كذلك معك، متى يكون الجوع حقيقيًّا ومتى يكون عاطفيًّا..

 

درّبيها –بهدوء– على أن تميّز بين "جوع البطن" و"جوع القلب". قولي لها مثلا: "مرات نكون زعلانين، فنفكر نأكل.. مو لأننا جعانين، بس لأن داخلنا زعلان. وقتها لازم نسأل نفسنا: شنو نحتاج؟ أكلة؟ ولا حضن؟ ولا نكلم أحد؟".

 

هذه مهارة من المهم أن تكتسبيها كأم، تسمى "التنظيم العاطفي" Emotional Regulation، وهي مهارة وقائية عظيمة في التربية النفسية.

 

5- قدّمي بدائل حسيّة وعاطفية..

 

بدلا من أن تمنعي الطعام، قدمي بدائل ممتعة في نفس لحظة طلبها للطعام: لعبة مفاجئة، وقت حكاية، نزهة قصيرة، صنغ عصير صحي معًا. 

 

الهدف أن تربطي "الراحة النفسية" بشيء غير الطعام.

 

6- راقبي نفسك قبل أن تراقبيها..

 

فأحيانًا وبدون قصد، قد يُظهر الوالدان قلقًا زائدًا تجاه الوزن أو الشكل أمام الطفل، أو يتحدثان عن الحمية الغذائية، أو يظهران رفضًا لأنفسهم، وهذا يخلق بيئة من "التوتر الجسدي الموروث"، فكوني قدوتها في القبول والاتزان.

 

7- استعيني بأخصائي تغذية متمكن، لعمل الفحوصات اللازمة، فقد يستدعي الأمر للتدخل العلاجي مع التنظيم الغذائي عن طريق الطبيب المعالج.

 

وإن احتاج الأمر كذلك، فعليك بمتابعة أخصائي نفسي سلوكي بالتوازي مع طبيب التغذية، حال استمرار الأكل العاطفي بصورة مفرطة، فقد تحتاج ابنتكِ إلى جلسات تدريب على "إعادة هيكلة الفكر والسلوك"، وهو تدخل فعّال علميًّا في مثل هذه الحالات.

 

9- الدعاء.. الدعاء.. الدعاء

 

فالله وحده هو المربي الأعظم، وهو القادر على تقويم القلوب والنفوس، فادعي: "اللهم ارزق ابنتي حبّك، وحبّ من يحبك، واصرف عنها كل سلوك يُضعف قلبها أو جسدها، واملأ حياتها بالرضا والثقة والقبول".

 

* وهمسة أخيرة لك غاليتي:

 

لا تحمّلي نفسكِ الذنب، فأنتِ لستِ سبب المشكلة، بل وسيلة الحل بإذن الله تعالى.

 

كوني سندًا محبًّا، لا شرطيًّا قاسيًا، وتذكّري: أن التربية بالحب تُثمر حتى لو تأخرت، والتغيير الحقيقي يبدأ من الاحتواء لا من المنع.

الرابط المختصر :